قرية النمل (القراريص)

في البداية ابين لكم معنى كلمة(قراريص) وهي جمع تكسير لكلمة (قرّوص) وهذه التسمية تطلق عندنا على النمل الكبير نوعاً ما ومشهور بعادته السيئة في هواية قرص الانسان .

كنت اتمنى ان اكون بهذا الحجم

عندما كنت في الصف الاول المتوسط اي حينما كان عمري تقريباً 12سنة . كنت مولعاً بالاكتشافات الطبيعية فدائما اشاهد البرامج التلفزيونية عن الحياة الطبيعية و الحيوانات و الحشرات. لدرجة انني كنت اتمنى ان اكون صغيراً بحجم النملة لدخول منازل النمل وقراهم حتى استكشف هذا العالم الذي نسمع عن تنظيمه و براعته في الهندسة.

ربما هذه اقرب صورة لشكل القراريص

كنّا في ذلك الوقت منتقلين في شقة ايجار مع عائلتي حيث تم هدم منزلنا لاعادة بناءه . كان (القراريص) منتشرين بكثرة عند مداخل تلك الشقة بالاضافة الى ذلك كان لدينا مجموعة من الاقفاص بها طيور منّوعة. فكنت دائما اجلس واراقب هذه (القراريص) كيف انها تمسك بحبة الدخن (حبوب طعام الطيور) وتحملها الى منزلها البعيد اميال(بمقادير القراريص) عن مصدر الطعام.

حبوب الدحن (اكل العصافير المنزلية)

الشيء الغريب اني لاحظت عدم انتظام (القراريص) في عملها وهو العكس تماما عن النمل العادي الذي عادة مانراه يمشي بصفوف مرتبة و بتنظيم احترافي. في تلك اللحظات و انا اراقب (القراريص) بدأت عصف ذهني في الحصول على فكرة استطيع بها الدخول الى بيت النمل ! ربما يكون ذلك ضرباً من الجنون ! او ربما يكون ذلك من احلام (حجا) !

فكرة رائعة

وبعد التفكير الكثير خطرت في بالي فكرة رائعة . حيث كان لدي اسماك زينة حيث كنت اعتني بها في حوض صغير بحجم 25×25×25سم تقريبا. كان هذا الحوض بلاستيكي شفاف وكان خالياً من الاسماك حيث انها ماتت لعدم المعرفة بطبيعة تربية والاهتمام بأسماك الزينة . وبدأت رحلة المغامرة.

ملأت نصف هذا الحوض بالرمل حيث راعيت ان يكون نوع الرمل من النوع البني المتماسك قليلا وليس من نوع الرمل الصحراوي الذي عادة ماتكون حباته مفترقة ولاتتماسك مع بعضها. وقررت ان اجل من هذا الحوض بيئة طبيعية مستلهما ذلك من كتب العلوم في الدراسة الابتدائية. وعندها بدأت رحلة جمع القراريص.

بدأت بجمع القراريص بأعداد كبيرة جداً ولا ابالغ عندما اقول انها تصل الى مئة قرّوص.وطبعا كنت امسكها بإصابعي لاضعها بشكل سريع في هذا الحوض ومع ذلك لم اسلم من بعض القرصات حيث تورّم اصبعاي من القرص. ولكن هذا لم يؤثر في طموحي لبناء البيئة الطبيعية!

كان اختياري للقراريص بدل النمل العادي له عدة اسباب حيث كان اهمها ان القراريص تعجز عن تسلق جدار الحوض و الهروب منه بينما كان النمل يستطيع ذلك بكل سهولة . والسبب الاكثر اهمية هو صعوبة الامساك بالنمل العادي اولا لسرعتها و ثانياً لانها غالبا ماتموت بين اصابعي! طبعاً القراريص حاولت كثيرا الهرب من الحوض ولكن دون جدوى فقد كانت محاولاتهم دائما تبوء بالفشل الذريع.

استسلم القراريص للامر الواقع وبعد نقاشات ومحادثات كنت اراقبها في تلك اللحظات واتخذ مجلس شورى القراريص بناء مستوطناتهم في هذا الحوض. و بدأت اعمال الحفر و البناء حيث قدّمت لهم مكافئات مجزية لتجاوبهم معي ، فأعطيتهم الكثير من حبات الدخن وجميع مالذّ وطاب من الاكل من السكر و الخبز والكثير… وخلال عدة ايام تحقق حلمي ! فقد تمكنت من مشاهدة بيوت و مستوطنات القراريص من الداخل حيث كانت الكثير من ممرات و غرف المستوطنة ترى من جدار الحوض الشفاف.

كما كنت اراقب وارى المستوطنة تماماً

ياله من شيء رائع ان ترى ذلك. وترى كيف يتم تخزين الاكل في غرف معينة و العمل يجري على قدم وساق في النهار و يخلدون للنوم في الليل.فعلاً كان شيء رائع بكل ماتعنيه الكلمة.

عندها قررت ان اطّور من هذه البيئة الطبيعية بزراعة بعض النباتات الصغيرة لكي تعطي جوء من البيئة الحقيقية.فأخترت (الحب الشمسي) او مايسمى بحب عباد الشمس وزرعت عدد لابأس به في الحوض . و الجميل ان هذا النوع من الحب ينبت بشكل سريع . فقد كنت اتلهّف للرجوع للمنزل عند الانتهاء من المدرسة لمعرفة ماذا يحصل في تلك المستوطنة.

الحب الشمسي(عبادالشمس)

في اليوم الاول بعد زراعة الحب بدأت الحبات بالتفتح في بداية لخروج النبتة الصغيرة . في اليوم الثاني بدأت النبتة بالنمو بشكل اكبر قليلاً وكان منظرها رائع جدا حيث كان بعض القراريص يتسلقونها ويستطلعون المكان. وفي اليوم الثالث!!!! كانت الصاعقة !!!!!

اليوم الاول

اليوم الثاني

اليوم الثالث!!!!!

اين القرارييييص !!!!! اختفت جميع القراريص !!!! فقد كبرت النباتات اكبر بقليل ووصلت الى طرف الحوض من الاعلى !!! يا ألهي هربت القراريص كلها . تصوّروا انهم لم يبقى ولا قرّوص واحد في الحوض. حيث كنت اظن انهم يتسلقون البناتات للبحث و الاستطلاع ولكن كانت محاولة هروب من سجن لم يتسحملوا العيش فيه مع اني وفرت لهم كل مايشتهون وما لايخطر ببالهم ايضا.

والادهى و الامر اني كنت احتفظ بهذا الحوض في داخل مجلس الزوار في الشقة ! فتخيلوا اكثر من مئة قرّوص ينتشرون في ارجاء هذا المجلس ! حيث كان كل زائر في هذا المجلس ينال نصيبه من(القرصات) الانتقامية حيث عانينا من اثر هذه القصة كثيراً.وكانت القصة محوراً لحديث كل من يدخل المجلس وذلك في محاولة لتبرير انتشار القراريص في المجلس.

ولكن اقولها في النهاية … لكل حلم تريد ان تحققه تأكد انك تسدفع ثمنه! وبقدر اهتمامك في تحقيق هذا الحلم سيكون تحمّلك لعواقبه واتعابه ! و السلام خير ختام

هذه قصتي مع القراريص حيث كانت لي مغامرات اخرى مع حشرات اخرى وسأكتبها لكم ان شاء الله متى ماوجدت الوقت لذلك
تحياتي واشواقي 🙂